مداخل العلوم الاسلامية

نشأة المذاهب الإسلامية:  

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: 

في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المصدر للفتوى وكان قوله الفصل في كل شيء، وكان الاجتهاد موجوداً عند الصحابة لكن لم يكونوا يجتهدون إلا إذا كانوا في سفر أو في حالة لا يستطيعون فيها الرجوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليسألوه، فكانوا في تلك الحالات يجتهدون فإذا عادوا ولقوا الرسول صلى الله عليه وسلم سألوه، فإما أن يقول لهم بأن هذا الاجتهاد كان صحيحاً أو يصحح لهم الخطأ فيه.  

بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كان الاختلاف قليلاً والمرجع غالباً هو الخليفة وكبار الصحابة، والخليفة كان يجمع علماء الصحابة ويناقشون المسألة ثم يفتي بها.  

فكان الاختلاف بين الصحابة قليل في ذلك الوقت لكنه كان موجوداً ثم تفرق بعض الصحابة في الأرض فصار كل أهل بلد يتابعون الصحابي الذي عندهم، خاصة في نهايات عصر الصحابة فكانوا يتبعون فتوى الصحابي العالم الذي في بلدهم كونه الأفقه فيهم وكونه لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وعاش بين أصحابه وأخذ العلم الصافي من المنبع الصافي، فكانوا لا يخالفونه إلا باليسير من الأمور.  

فتبع أهل المدينة في الغالبية فتاوى عبد الله بن عمر، وأهل الكوفة فتاوى عبد الله بن مسعود، وأهل مكة فتاوى عبد الله بن عباس، وأهل مصر فتاوى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عن الجميع. 

 

واستمر التابعون بعد عصر الصحابة على هذا النسق وكان الناس يسألون كبار التابعين ممن تتلمذ على الصحابة.  

ثم في عصر أتباع التابعين ومع كثرة الحوادث والمسائل الجديدة التي تحتاج إلى فتوة برز نجم عدد من أهل العلم الجهابذة كـ (أبي حنيفة ومالك والأوزاعي وجعفر الصادق ومحمد الباقر والليث بن سعد وغيرهم) وفي الفترة التالية برز بعض الفقهاء الكبار كـ (الشافعي وأحمد وسفيان بن عيينة وإسحاق بن رهويه وعلي بن المديني وداود بن علي وغيرهم من أهل العلم) وكل واحد من هؤلاء العلماء كان له اجتهاداته. 

والعالم عندما يكون له رأي في مسألة ما فهذا الرأي يسمى مذهب هذا الرأي استقلالاً يسمى مذهباً، وأيضاً مجموع آرائه تسمى مذهباً فكان كل واحد من هؤلاء الأئمة المجتهدين كان له مذهباً خاصا ًومستقلاً، ثم تلاميذ كل عالم من هؤلاء صار مذهبه مذهب هذا العالم لأنه فهم آراءه واقتنع بها واقتنع بأدلته وأتقن طريقته في الاستنباط وأصول الفقه، فصار مذهب هؤلاء التلاميذ هو مذهب شيخهم الإمام حتى لو خالفه في بعض الآراء إلا أنهم في الغالب يوافقونه لأنهم تتلمذوا على يديه وكذلك الذين جاؤوا بعدهم تتلمذوا على أيديهم فأصبح مذهبهم مذهب ذلك العالم.  

لكن مع مرور الزمن أكثر هذه المذاهب اختفت ولم يبقَ منها إلا بقايا ونقولات في بعض الكتب، والذي بقية وانتشر هو خمسة مذاهب (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والظاهري) إلا أن الظاهري قل انتشاره جداً، وسبب بقاء هذه المذاهب هو كثرة تلاميذ إمام المذهب ووجود من يخدم هذا المذهب من خلال تأليف الكتب وتدوين الآراء وتدريس هذا المذهب للطلاب. 

فالمذهب الظاهري على سبيل المثال مع أن أتباعه اليوم قليلون جداً لكنه موجود ومحفوظ من خلال التدوين. 

 

لنتكلم عن المذاهب واحداً تلو الآخر. 

أولاً: المذهب الحنفي:

هو أول المذاهب ويسمى مذهب (أهل الرأي) وذلك لأن الحديث كان قليلاً في العراق وبالإضافة إلى قلته فقد كان الكذابون كُثر في تلك المنطقة ممن يخترعون الأحاديث وينسبونها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. 

فكان الإمام أبو حنيفة وهو الذي ينسب إليه هذا المذهب لا يقبل الحديث إلا بشروط ضيقة جداً.  فاعتمد رحمه الله تعالى وأصحابه على الرأي، والرأي هنا يقصد به الاجتهاد  من خلال معرفة مقاصد الشريعة وما يوافقها ومن خلال القياس، فكان الأصل عندهم بعد الكتاب والسنة هو الرأي.  

نشأ المذهب الحنفي في الكوفة ثم انتشر في العراق ثم شاع في الشام وخراسان ومصر واليمن، ودون هذا المذهب أربعون رجلاً منهم أبو يوسف - رحمه الله تلميذ أبو حنيفة - وزفر وأسد بن عمرو وغيرهم.  

وعندما تولى هارون الرشيد الخلافة عيّن أبا يوسف على رأس القضاء فصار هو المسؤول عن تعيين القضاة فكان لا يولي إلى القاضي الحنفي لأنه موافق لمذهبه وهذا الذي رفع من شأن المذهب الحنفي جداً ووطده في البلاد الإسلامية.  

وهو حالياً مذهب غالبية أهل المشرق كخراسان وكازخستان وبنغلادش وباكستان وتركيا ومنتشر بقوة في العراق والشام ومصر.  

من أعلام هذا المذهب: 

شيخ المذهب (أبي حنيفة النعمان) وتلميذه (أبو يوسف القاضي) و(محمد بن الحسن) وكذلك (أبو منصور الماتريدي) إمام الفرقة الماتريدية سنتكلم عنها بإذن الله إذا يسر الله لنا الكلام عن الفرق وكذلك (ابن نجيم الحنفي) وغيرهم.

 

 

 

ثانياً: المذهب المالكي: 

وينسب إلى الإمام (مالك بن أنس) إمام دار الهجرة لأنه كان في المدينة التي تسمى دار الهجرة، وقد كان الإمام مالك إماماً حافظاً علماً في الفقه والحديث فقد تميز عن الإمام أبي حنيفة بأنه عالم في الحديث، والمذهب المالكي تميز بأصل وهو الاحتجاج بعمل أهل المدينة وهو المقدم عندهم بعد الكتاب والسنة؛ وذلك لأن الإمام مالك يرى أن أهل المدينة كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأهل المدينة توارثوا مسائل الشريعة من الصحابة في ذلك الزمان فهم لن يجتمعوا على أمر إلا وقد جاءهم من السنة؛ ولهذا اعتبر عملهم في زمانه أصلاً.  

نشأ المذاهب في المدينة ومنها انتشر إلى البصرة وبغداد وخراسان ومصر والشام وأفريقية والأندلس، وهو اليوم مذهب غالب أهل المغربي الإسلامي. 

ومن أشهر علماء المالكية (عبد الرحمن ابن القاسم وسحنون بن سعيد القيرواني وابن عبد البر وابن العربي).  

ملاحظة: هنا (ابن العربي) وليس ابن عربي - هناك شخص يدعى ابن عربي - وهو إنسان مشرك يقول: ما الكلب والخنزير إلا ربي، لكن العالم المالكي هو ابن العربي بـ (ال) التعريف. 

ومن العلماء أيضاً (أبو بكر الباقلاني وابن رشد الجد والحفيد والقرطبي صاحب التفسير والإمام الشاطبي قاهر المبتدعة صاحب كتاب الاعتصام والدردير وغيرهم).  

 

 

 

ثالثاً: المذهب الشافعي: 

ينسب إلى (محمد بن إدريس الشافعي) وكان الشافعي من أوعية العلم والحديث ورزقه الله ذهناً متفتحاً وحافظة قوية، تتلمذ الشافعي على يد الإمام مالك وعلى تلاميذ الأمام أبي حنيفة قبل أن يستقل بمذهبه الخاص. 

والمذهب الشافعي كان المقدم عنده بعد القرآن والسنة هو القياس، والشافعي ولد في غزة وسافر إلى المدينة ثم إلى العراق ثم إلى مصر ومن هناك انتشر مذهبه إلى الشام والعراق وخراسان والجزيرة وغيرها، واليوم هو منتشر بقوة في بلاد الشام ومصر وفي القرن الأفريقي وإندونيسيا.  

كما أن الشافعي رحمه الله بعد انتقاله إلى مصر غير كثيراً من اجتهاداته لذلك نجد في كتب الشافعية أن هناك مذهب قديم الشافعي ومذهب جديد له والجديد هو بعد انتقاله إلى مصر وهذه عادة العلماء أنه كلما ازدادوا علماً وفهماً قد تتغير نظرتهم إلى بعض الأمور وإلى بعض القضايا والفتاوى، فلا يوجد أحد يستحق الاتباع المطلق إلا الرسول صلى الله عليه وسلم لأن كلامه وحي.  

ومن أهم علماء الشافعية: 

(البويطي وأبي ثور والبيهقي وأبي حامد الغزالي وتقي الدين السبكي وابن حجر والنووي رحمهم الله).  

 

 

 

رابعاً: المذهب الحنبلي: 

منسوب إلى الإمام الحافظ (أحمد بن حنبل) المولود في بغداد وهو من تلاميذ الشافعي وكان الإمام أحمد من أكثر الناس حفظاً للحديث ومعرفة برواياته وألفاظه وطرقه، وروي عنه أنه كان يحفظ ألف ألف حديث يعني مليون حديث، وكان المقدم عند الحنابلة بعد الكتاب والسنة هو قول الصحابي إذا لم يجد له مخالفاً من الصحابة؛ وذلك لأن قول الصحابي غالباً يكون قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان لم يخالفه أحد من الصحابة دل هذا على أن للأمر أصل من عند النبي صلى الله عليه وسلم. 

نشأ المذهب الحنبلي في بغداد ومنها انتشر إلى غيرها من الأقطار إلا أن انتشاره كان أقل من انتشار المذاهب الأخرى وكان انتشاره بطيئاً وكانت قوته في بغداد خاصة في القرن الرابع الهجري واليوم هو المذهب السائد في الجزيرة العربية وله انتشار قوي في مصر. 

من أشهر علمائه: 

(شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن قدامى المقدسي و البربرهاري والبغوي صاحب التفسير).  

 

 

 

خامساً: المذهب الظاهري: 

وينسب إلى الإمام داود بن علي الظاهري لكن المشهور عند العامة أنه مذهب ابن حزم لأن ابن حزم رحمه الله تعالى هو الذي نشر هذا المذهب، وأصل هذا المذهب نفي القياس فهو يأخذ بظاهر النصوص ثم الإجماع ثم أقوال الصحابة، ومع كون نفيه للقياس خطأ إلا أن هذا المذهب ظُلم فقد شنعوا عليه وأبرزوا للناس الفتاوى الشاذة في المذهب؛ فتجد كثيراً من الناس عندما يتكلمون عن هذا المذهب يذكرون مسألة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ييولنَّ أحدكم في الماء الدائم" وان الظاهرية قالوا: إنه يجوز أن يبول في إناء ويصبه في الماء الراكد.  طبعاً الإمام النووي عندما نقل هذا القول عن داود الظاهري قال إن صح عنه فهذا القول غير ثابت عن داود أساساً، ولم يقل به جمهور الظاهرية ولم يقل به ابن حزم رحمه الله فهذا القول غير ثابت عن الظاهرية ومع ذلك أكثر المتكلمين عن هذا المذهب يذكرونه وكثير من العامة لا يعرفون عن الظاهرية إلا هذه المسألة، وهي أساساً إن صحت فهي اجتهاد أخطأ فيه قائله، وكما يقولون لكل عالم هفوة والأخطاء موجودة عند الأئمة الأربعة وغيرهم، ولا يصح السعي بالبحث عن هذه الأخطاء وهذه الفتاوى الشاذة. لكن القصد أن هذا المذهب ظلم لأنه ربط بمثل هذه المسألة. 

والسبب الحقيقي للحرب على المذهب الظاهري: 

  1. إنكاره للقياس، وهذا يبطل قاعدة أساسية بنى عليها جمهور الفقهاء فقههم

  2. قسوة عبارة ابن حزم في رده على مخالفيه فكان شديد العبارة في ردوده على من يخالفه في المسائل الفقهية. فهذا جعل الناس ينفرون منه ويحاربونه مع أنه إمام لا يمكن لأحد أن ينكر إمامته ولا أعتقد أن هناك فقيه لم يقرأ كتاب (المحلى) لابن حزم ويستخرج منه الفوائد. 

وابن حزم كان له الفضل الأكبر بإذن الله في نشر المذهب الظاهري وكان غزير التأليف انتشر علمه وانتشرت مؤلفاته بقوة خاصة في الأندلس فحول مذهبها تقريباً الى المذهب الظاهري في أيامه، لكن اليوم لا نجد من أتباع المذهب الظاهري إلا أفراد متفرقون في الأرض.  

أشهر علماء الظاهرية: 

(داود الظاهري وابن حزم وأبو جعفر ابن خيرون ومنذر بن سعيد).

 

 

 

والحمد لله رب العالمين

 

هل أعجبك المحتوى؟
التعليقات

لا يوجد تعليقات

لاضافة سؤال او تعليق على الدرس يتوجب عليك تسجيل الدخول

تسجيل الدخول

دروس اخرى مشابهة

تبحث عن مدرس اونلاين؟

محتاج مساعدة باختيار المدرس الافضل؟ تواصل مع فريقنا الان لمساعدتك بتأمين افضل مدرس
ماهو التخصص الذي تبحث عنه؟
اكتب هنا...