مداخل العلوم الاسلامية

مقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

(علم تفسير القرآن) من العلوم المهمة جداً وخاصة في زمننا هذا يجب على كل إنسان أن يطلع على علم التفسير؛ لأن المنافقين اليوم يأتون ويقولون للناس أننا سنفسر لكم القرآن -فهم لا يستطيعون أن يحرِّفوا النص- فيقولون للناس سنفسر لكم القرآن فيغيرون معنى الآيات بحسب هواهم.

فعلى الناس أن يتزودوا بالعلم لكي يتصدوا لشبهات هؤلاء المنافقين.

من المنطقي أن قائل أي كلام هو الأعلم بمراده من كلامه ثم يكون تلميذه أعلم الناس بكلامه؛ لأنه رافقه وتعلم منه وعرف كيف يرتب أفكاره وكيف يستنبط الكلام وسأله ماذا تقصد بهذا وماذا تقصد بكذا وماذا تقصد بكذا وكذا وكذا... فتشرَّب كلام هذا المعلم فأصبح يفهمه خير من باقي الناس.

ثم بعد هذا التلميذ (تلاميذ التلميذ) فهو سيشرح لهم كلام هذا المعلم ويقول لهم أنه قصد كذا وأنه يرى كذا وأنه يحب كذا وأنه يكره كذا وأنه يناصر موضوع ما، فسيفهمون ذلك الرجل وطريقته بالكلام من خلال تلميذه.

 

 

 

فلله تعالى المثل الأعلى، الذي يعلم معاني القرآن حقيقة هو الله عز وجل ثم من؟

محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، فهو لا ينطق إلا بوحي من عند قائل القرآن، ثم من؟

ثم الصحابة الذين تتلمذوا على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس فقط هم تتلمذوا على يد الرسول صلى الله عليه وسلم إضافة إلى ذلك فهم يفهمون اللغة العربية فهماً جيداً لأنها لغتهم، فنحن نتعلم اللغة العربية الفصحى تعلماً من الكتب ومن الأشعار ومن غير ذلك، أما هم فكانت هذه لغتهم الدارجة التي يتكلمونها مع الزوجة والأم والأب والطفل.

ثم من بعد الصحابة؟ 

تلاميذ الصحابة وهم التابعون، وكذلك التابعون فلغتهم صافية.

مصادر التفسير:

المصدر الأول: القرآن الكريم:

أي أننا نفسر (القرآن بالقرآن) مثال على ذلك قوله تعالى:

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]

كيف نفسرها؟ هل نفسرها على أن الولي هو الذي يطير في الهواء ويمشي على الماء ويفعل أفعال غريبة؟

الله عز وجل فسرها بقوله:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 63]

إذاً المؤمن التقي: هو الولي الذي لا خوف عليه ولا هو يحزن بنص القرآن.

المصدر الثاني: السنة:

كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى مثال على تفسير القرآن بالسنة هو قوله تعالى:

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]

كلمة كوثر يعني كثير فمعنى الآية لغوياً: إنا أعطيناك الكثير من الأشياء والأمور.

لكن عندما فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة".

فمن خلال تفسير النبي صلى الله عليه وسلم فهمنا أن كلمة الكوثر في هذه الآية هي (اسم علم لنهر موجود في الجنة).

المصدر الثالث: تفسير الصحابة رضي الله عنهم:

مثال على ذلك قوله تعالى:

{وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43]

فالله عز وجل قال إن ملامسة النساء تبطل الطهر، والذي يفهم من هذه الآية أن أي ملامسة حتى لو قبلت رأس أمي فعليَّ أن أعيد الطهارة، حتى ولو ناولت أختي كأس من الماء ولمست يدها فعليَّ أن أتوضأ.

لكن في الحقيقة معنى الملامسة هنا يختلف، فقد فسره ابن عباس رضي الله عنه أنه (الجماع). 

فمن خلاله عرفنا أن التقاء بشرة الذكر مع بشرة الأنثى لا يبطل الطهارة، وإنما الذي أراده الله عز وجل من الآية الكريمة هو الجماع وليس التقاء البشرتين.

مثال آخر: قوله تعالى:

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 198]

معنى تبتغوا فضلاً من ربكم معروف، أي أن الإنسان يبتغي فضل من الله عز وجل. لكن فسرها ابن عمر رضي الله عنه أن بعض الناس كانوا عندما يذهبون للحج يأخذون معهم بعض التجارة أو يؤجِّرون بعض الدواب في الحج فظنوا أن هذا الفعل يبطل حجهم، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية أن ليس عليه جناح إذا ابتغوا بعض الفضل الدنيوي من التجارة وغيرها في الحج.

ففهمنا الآية فهماً جيداً وأخذنا منها الأحكام من خلال تفسير الصحابة.

المصدر الرابع: تفسير التابعين:

لكن التابعين أقوالهم ليست حجة كأقوال الصحابة الذين عايشوا نزول القرآن. فالتابعون إذا أجمعوا على تفسير آية بتفسير معين فلا شك أن هذا التفسير قد أخذوه من الصحابة، فهم تلاميذ الصحابة وكانوا أحرص الناس على الأخذ منهم.

مثال: مجاهد بن جبر أحد التابعين يقول: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها"

انظر إلى الحرص. ابن عباس مع كونه حبر الأمة وترجمان القرآن فهو أيضاً تلميذ لعلي بن أبي طالب وكلنا يعرف من هو عليٌّ رضي الله عنه.

فهكذا كان علم الأولين الذين نستقي علمنا منهم، ومثال على إجماع التابعين قوله تعالى:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243]

البعض قال إن معناها قلوبهم متآلفة. لكن التابعين أجمعوا على أن يقولوا: يقصد بها العدد (آلاف)، فهذا الإجماع قطع الطريق على من قال بخلافه. 

المصدر الخامس: التفسير باللغة:

أي ما تقتضيه الكلمات من معاني شرعية ولغوية، كيف يعني شرعية؟

الصلاة معناها الدعاء، فعندما يقول الله عز وجل: {وأقيموا الصلاة} فإن فهمتها لغوياً يعني أقيموا الدعاء أي ادعو الله، لكن بالمعنى الشرعي الصلاة هي الأفعال والأقوال المعينة التي تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم، فإذا كان للكلمة معنىً شرعياً فهو مقدم على المعنى اللغوي -انتبه إلى هذه كثيراً- لأن الجواسيس الذين تكلمنا عنهم في البداية يدلسون على الناس من خلال قلب المعاني اللغوية والشرعية.

ومثال آخر على التفسير باللغة قوله تعالى:

{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرادِقُها} [الكهف: 29]

قوله تعالى: { وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } قد يأتيك المنافق ويقول إن الله عز وجل خيرنا بين الإيمان والكفر { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } فهو يظن أن الله تعالى قد أرسل الرسل لعباً ولهواً، لكن الذي يفهم اللغة لن يحتاج إلى أي دليل آخر، فقط باللغة يستطيع أن يعرف أن قوله تعالى ومن شاء فليكفر هو للوعيد وليس للتخيير، هو تهديد وليس للتخيير؛ لأن سياق الآيات {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرادِقُها} واضح من خلال اللغة أنه تهديد بدون حاجة إلى أي أدلة أخرى.

 

 

هل يجوز التفسير بالإسرائيليات؟

قال الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" يقول ابن كثير رحمه الله: "إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هذا محمول على الإسرائيليات المسكوت عنها عندنا؛ لأنه لو جاء في الإسرائيليات نص يوافق نص عندنا كمسلمين فلا حاجة لنا به، ولو جاء النص في الإسرائيليات وهو يخالف ما عندنا كمسلمين فهذا مردود عليهم، وإذا جاء النص في الإسرائيليات لا يوافق ولا يخالف فعندها نروه للاعتبار" لأن فيها بعض القصص وبعض الأحداث وبعض الأمور مثل نسب سيدنا إبراهيم بعض التواريخ وبعض الأمور الأخرى فإن لم تكن مخالفة فلا إشكال.

 

شروط المفسر: 

هذه المصادر فماذا عن المفسر؟

المفسر يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية:

أولاً: (تقوى الله عز وجل) ومعرفة أنه إذا بدل المعنى الذي أراده الله تعالى فإنه يفتري على الله الكذب، فإذا تعمد ذلك فهو مثله مثل إبليس ومسيلمة، عندما يأتي إلى الآية ويبدل المعنى الذي أراده الله عز وجل فهذا مسيلمة الكذاب أو إبليس، فيجب أن تتوفر في المفسر تقوى الله عز وجل.

ثانياً: (العلم بمراتب التفسير) التي ذكرناها وألا يخالفها فلا يأتي إلى أن يفسر الآيات من كيسه، فلو كان تفسير الإنسان من عنده لقال قائل: إن القرآن الكريم هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وليس كلام الله عز وجل بدليل الآية القائلة { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40] فهذا أتى بدليل وفسره لكن تفسيره خاطئ، لماذا؟

لأن الآية يقصد بها أنه قول رسول كريم يبلغ كلام الله.

ثالثاً: (العلم بأسباب النزول) وهذا له اهمية كبيرة.

مثال على ذلك قوله تعالى:

{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93]

الآية الكريمة هذه إذا قرأتها كنص تفهم منها أن الإنسان إذا آمن وعمل الصالحات واتقى الله عز وجل يجوز له أن يأكل لحم الخنزير ويشرب الخمر ولا جناح عليه فيما طعم، لكن عندما تعرف سبب نزول هذه الآية سيتغير فهمك لها.

فهذا عندما حرم الخمر جاء الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم وسألوه عن الصحابة الذين ماتوا وكان يشربون الخمر قبل تحريمه فأنزل الله عز وجل أن هؤلاء الذين ماتوا قبل تحريم الخمر أنه ليس عليهم جناح فيما طعموا إذا ما آمنوا واتقوا وعملوا الصالحات.... وكذا.

فتغير مفهومنا للآية كاملاً بسبب معرفتنا لسبب نزولها.

رابعاً: (علمه باللغة العربية) لأنها لغة القرآن الكريم ولا يمكن أن نفسر القرآن دون معرفتنا للغة.

مثلاً: في قوله تعالى:

{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] 

فيأتي الجاهل ويقول أن الله تعالى تبرأ من الرسول والعياذ بالله من هذا القول، أما الذي يعرف اللغة العربية يرى أن كلمة رسولُه مرفوعة، فبالتالي الرسول فاعل وليس مفعول به فيكون المعنى (أن الله بريء من المشركين ورسوله بريء منهم أيضاً) أو (أن الله بريء من المشركين وكذلك رسوله بريء منهم).

ففهم الفهم الصحيح من خلال معرفته باللغة العربية وعلم النحو.

خامساً: (علمه بالمصطلحات القرآنية) الله تعالى يقول: {وأقيموا الصلاة} أي الصلاة التي تبدأ بالتكبير وتختم بالتسليم.

لو فسرها أحدهم لغوياً فسيقول {وأقيموا الصلاة} أي أكثروا من الدعاء، فهذا مصطلح قرآني ومصطلح شرعي يجب أن يكون ملماً به.

سادساً: (معرفة الناسخ والمنسوخ).

هناك آيات في القرآن الكريم زال حكمها مثل قوله تعالى:

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240]

يعني إذا مات الزوج فالزوجة تعتد في البيت سنة، لكن هذه الآية نُسخت بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]

فصارت العدة أربعة أشهر وعشرة أيام، فلا يجوز أن يأتي شخص ليفسر ويقول إن المرأة إذا تُوفي زوجها تعتد في بيتها سنة بناءً على الآية التي نسخت.

سابعاً: (معرفة المحكم والمتشابه في القرآن الكريم):

فالقرآن الكريم فيه آيات محكمات تفسيرها واضح بين، وفيه آيات متشابهات وهي على نوعين:

النوع الأول: نفهمها من خلال ردها إلى المحكم.

مثال: قوله تعالى:

{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} [الحجر: 23]

هذا القول يدل على أنه يوجد أكثر من إله {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} لكن نرده إلى المحكم وهو الذي هو

هل أعجبك المحتوى؟
التعليقات

لا يوجد تعليقات

لاضافة سؤال او تعليق على الدرس يتوجب عليك تسجيل الدخول

تسجيل الدخول

دروس اخرى مشابهة

تبحث عن مدرس اونلاين؟

محتاج مساعدة باختيار المدرس الافضل؟ تواصل مع فريقنا الان لمساعدتك بتأمين افضل مدرس
ماهو التخصص الذي تبحث عنه؟
اكتب هنا...