مقدمة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
العقيدة هي ما يُعقد يعليه القلب وهي الأصل الذي يقوم عليه الدين، والخلل فيها أعظم وأخطر من الخلل في الأمور الأخرى كالصلاة والصيام والعبادات؛ لأن العقيدة هي أساس الدين ولذلك فالاختلاف في العقيدة تنشأ عنه الفرق، أما الاختلاف في الفقه فتنشأ عنه المذاهب.
والمذاهب كثمار تستطيع ان تنتقي أحسنها وأطيبها دون تعصب لبعضها، أما الفرق فمن التفرق وهي كفروع الأشجار لا تجتمع ولا تلتقي بل بالعكس تتفرع وتتفرق وكل فرع يستقل بذاته، وقد يتشكل من هذا الفرع شجرة مستقلة أو دين جديد كما فعلت الأحمدية والبهائية والدرزية الذين انشقوا عن الإسلام وشكلوا ديانات مستقلة.
وقد تتلاقى بعض الفروع فتنتج فرعاً خبيثاً يمتص خير الفروع التي تشكل منها ويحاول إضعافها مع أن تلك الفروع أقرب منه إلى الأصل، مثل الفرق التي تحاول الجمع بين الضدين بين (الخوارج والمرجئة) أو بين (السنة والشيعة).
والفرق غالباً ما تتشكل بينها عداوات واحياناً حروب وبعض الفرق يلجأ إلى الكذب واختراع الأباطيل على الفرق الأخرى لتنفير الناس منها، وبعضهم يلجأ إلى تزوير التاريخ والبعض يلجأ إلى افتراء كلام مكذوب وينسبه للرسول صلى الله عليه وسلم لينصر به فرقته، أو يخترع كذبة وينسبها لخصمه ليحاربوا فيها. وسندرس هذا بإذن الله في دروس مستقلة حول الفرق.
مباحث علم العقيدة
علم العقيدة له تقريباً تسعة مباحث وهي:
المبحث الأول: التوحيد والشرك.
المبحث الثاني: الإيمان والكفر.
المبحث الثالث: التكفير.
المبحث الرابع: أركان الإيمان.
المبحث الخامس: الأسماء والأحكام.
المبحث السادس: الولاء والبراء.
المبحث السابع: الملل والنحل.
المبحث الثامن: أهل البيت والصحابة.
المبحث التاسع: أحكام الديار.
وهذه المباحث بعضها فروع من بعض لكن اصبحت مبحثاً مستقلاً لأهميتها أو لكثرة الفروع الداخلة فيها.
المبحث الأول: التوحيد والشرك
التوحيد هو كلام يدور حول كلمة لا إله إلا الله؛ لأن كلمة لا إله إلا الله هي كالعَقْدِ فمن أقرَّ بهذا العقد فعليه التزامات.
والتوحيد هو جزء واحد وله عدة أقسام ويجب ألا نأخذ قسم من أقسام التوحيد ونترك الآخر، ونطلق عليها أقسام لأن ذهابها ينقص توحيد أو يزيله.
أولاً: أقسام التوحيد:
توحيد الألوهية:
وهذا مأخوذ من كلمة إله والتي تعني (المعبود) أو (الذي يُعبد) لذلك توحيد الألوهية هو أن نوحد الله عز وجل من خلال أداء العبادات أي أننا نجعل هذه العبادات خالصة لله عز وجل.
والعبادات لها نوعان:
قلبية: مثل (الخوف - حسن الظن – التعظيم - الحب المطلق).
ب- بدنية: مثل (الصلاة - الزكاة - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- بر الوالدين).
توحيد الربوبية:
هو توحيد اعتقادي أي نعتقد ونؤمن بأن الله عز وجل هو مدبِّر أمور الكون، وأنه الرازق وأن الخير منه، ونؤمن بأنه لا يحدث شيء في الكون إلا بعلمه ومشيئته.
توحيد الأسماء والصفات:
وهو أن نعرف الله عز وجل بأسمائه وصفاته التي علمنا إياها في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون تحريف لها ودون الظن بمماثلها لصفات المخلوقين، ودون ان نضيف عليها شيئاً ودون أن ننكر منها شيء.
فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يفهم آلية عمل دماغه فكيف يريد أن يفهم صفات الله عز وجل الذي ليس كمثله شيء.
ثانياً: نواقض التوحيد:
فتوحيد الألوهية ينقضه توجيه العبادة لغير الله عز وجل مثل: (الرياء - دعاء غير الله - التوكل على غير الله - ذبح التقرب لغير الله).
وتوحيد الربوبية ينقضه (قراءة الطالع والأبراج) لأنهم جعلوا الأبراج والكواكب هي التي تتحكم بالكون وليس الله عز وجل.
وتوحيد الأسماء والصفات ينقضه (تحريفها - تحريف معانيها - اعتقاد ان صفات الله عز وجل تماثل صفات خلقه - إنكار بعض أسمائه وصفاته).
المبحث الثاني: الإيمان والكفر:
أولاً: ماهية الإيمان أو تعريف الإيمان:
هو أهم محور تختلف الفرق على أساسه، والخلاف حول قضية ما الذي يجب أن يتحقق بالإنسان حتى يقال عنه مؤمن.
فالجميع قالوا: الإيمان: هو معرفة الله عز وجل. مجرد أن تعرف أن ربنا الله عز وجل فأنت مؤمن عندهم وبالتالي إبليس عندهم مؤمن لأنه يعرف الله عز وجل، والمُرجئة -طبعاً المرجئة لهم درجات والجهمية درجة من درجات المُرجئة- يقولون: هو اعتقاد ونطق بالشهادتين. فأخرجوا العمل من الإيمان، أي لا يحتاج الإنسان عندهم إلى أداء أي عمل تعبدي لله عز وجل حتى يكون مؤمناً.
الكرامية قالوا الإيمان هو النطق بالشهادتين فقط فالمنافق عندهم مؤمن.
أهل السنة يقولون إن الإيمان هو قول وعمل واعتقاد وهذا الصواب.
فالإيمان ليس في القلب فقط كما يقول الجهمية بل اعتقاد القلب هو قسم من أقسام الإيمان، ولكن أيضاً يوجد العمل ودليله قول الله عز وجل:
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:4] فجعل الصلاة والزكاة من الإيمان.
والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "الإِيمانُ بِضعٌ وسَبعونَ شُعبةً، فأَفْضَلُها قَولُ: لا إِلهَ إلا اللهُ، وأدْناها إِماطَةُ الأَذَى عنِ الطَّرِيقِ، والحياءُ شُعبةٌ من الإِيمانِ" وإِماطَةُ الأَذَى عمل فالعمل من الإيمان.
أما القول بنطق الشهادتين (لا إله الا الله محمد رسول الله) فدليله أن أبو طالب -عم الرسول صلى الله عليه وسلم- كان مصدقاً بنبوته عليه الصلاة والسلام وقال في شعره: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً. فهو معتقد بدين محمد صلى الله عليه وسلم وقد ناصر الإسلام بعمله ودافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يأتي بالقول، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: "قلها أحاج لك بها عند الله" لكن أبى ثم مات على الكفر.
ثانياً: نواقض الإيمان:
بما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد فكل ما يناقض أحد هذه الثلاثة فهو ناقض للإيمان. أما بالقول مثل (سب الدين - السخرية من الله عز وجل ورسوله - قول أنا نَصْرَانِيّ).
أو أن ينقض العمل مثل (من يسجد لصنم - يحرف القرآن - يلبس صليب - يقاتل مع الكفار ضد المسلمين).
أو بالاعتقاد مثل (الذي يعتقد أن الله عز وجل ثالث الثلاثة - أن الله ظالم - أن النبي صلى الله عليه وسلم كاذب) والنفاق هو من هذا النوع وهو كفر اعتقادي وهو أشد من باقي أنواع الكفر؛ لأن الله عز وجل قال:
{إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145]
المبحث الثالث: التكفير:
وهو مبحث مستقل يختلف عن المباحث التي درسناها في التوحيد والإيمان؛ لأننا هناك درسنا ما هي الأفعال والأقوال المكفرة. أما هنا في التكفير فندرس ضوابط الحكم على الأشخاص او الجماعات بالكفر؛ لأن الإنسان قد يرتكب فعلاً مكفِّراً ولكنه لا يكفر، مثال: في باب بالتوحيد ندرس أن قول مدد يا فلان هو شرك أما في باب التكفير ندرس الشخص الذي قال مدد يا فلان، ماذا إن لم يكن يعرف معناها؟ ماذا إذا قالها وهو ذاهب العقل مثلاً تحت تأثير البنج او ما شابه؟ ماذا إذا كان لا يعرف أنها محرمة؟ فالذي لا يعرف أنها محرمة فهذا قد يعذر.
أما بعض الكلام مثل سب الله عز وجل يكفر قائله مباشرة لأن هذا القول يناقض الدين من كل وجه، فالدين قائم على تعظيم الله عز وجل فهذا يكفر بكل الديانات السماوية، وللأسف البعض يبرر له يقول أنه قالها وهو غاضب لكن هذا ليس مبرر إذاً لماذا وهو غاضب لم يسب شخصاً قوياً؟ لأنه يعرف العقوبة، فلو كان في قلبه أدنى تعظيم لله عز وجل لما تجرأ عليه.
وأيضاً لو قالها لاعباً مثل الطرائف الشيطانية التي فيها استهزاء من عظمة الله عز وجل أو رسوله أو دينه. فالكلام مثل هذا لا يعذر صاحبه إلا إذا كان مكرهاً. إذا قالها مكرهاً وحد السيف على رقبته ويُقال له: إن كفرت أعتقناك وإن لم تكفر قتلناك فهذا مضطر، يجوز له أن يقول كلمة الكفر، لكن هذا فقط إذا غلب على ظنه أنهم سيعتقونه فعلاً.
الحكم على الشخص بالكفر لا يعني أننا حكمنا عليه بدخول النار لأن دخول الجنة والنار أمر بيد الله عز وجل وبعلم الله عز وجل، بل نحن نحكم بأحكام الدنيا، والحكم بكفر هذا الشخص تترتب عليه أحكام دنيوية كثيرة مثال على ذلك (أننا لا نزوجه مسلمة لأنه لا يجوز أن يكون ولي امر مسلمة في عقد النكاح أو في غير ذلك، انه لا يدفن في مقابر المسلمين، أنه لا يرث مسلماً، أننا لا نأكل ذبيحته، أننا لا نصل خلفه) قد يكون كافراً ويصلي مثل الذين يقولون بوحدة الوجود الذين يقولون إن الله في كل مكان يظنون أن ربهم تحت الأحذية وفي أنابيب الصرف الصحي وفي أجواف الخنازير وفي كل مكان، تعالى الله عز وجل عن قولهم، نحن نقول أن الله هو العلي العظيم، عالي على خلقه، منزه عن كل عيب ونقص، فهؤلاء أهل وحدة الوجود اتفق المسلمون على كفرهم فالصلاة خلفهم غير صحيحة وإذا ماتوا لا يُصلى عليهم ولا يُورثون ولا يُدفنون في مقابر المسلمين وإذا ذبحوا لا نأكل من ذبيحتهم.
فهذه أحكام دنيوية كثيرة تترتب على معرفتنا لإيمان هذا الشخص أو كفره.
الإيمان بالله عز وجل: في التفاصيل التي ذكرناها في باب التوحيد
الإيمان بالملائكة: أنهم مخلوقون من نور وليسوا ذكوراً ولا إناثاً، لا يعصون الله ما أمرهم، منهم المكلَّفون بحفظ العباد ومنهم المكلفون بكتابة العمل ومنهم المكلفون فقط بالتعبد ومنهم حملة العرش وجبريل أمين الوحي وميكال الموكل بالمطر وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور وملك الموت الموكل بقبض الأرواح.
الإيمان بكتب الله عز وجل: نؤمن بأنه أنزل الكتب على عباده ومنها صحف إبراهيم وموسى والتوراة والزبور والإنجيل والقرآن، وأن القرآن مهيمن عليها وناسخ لها وأنه محفوظ بحفظ الله عز وجل لا يطرأ عليه تغيير ولا تبديل.
الإيمان برسل لله عز وجل: وأنهم خير الخلق وأنه أرسل في كل أمة رسولاً ونؤمن بكل الرسل والأنبياء إيماناً إجمالياً، ونؤمن بالرسل الذين أخبرنا الله ورسوله بأسمائهم تفصيلاً.
الإيمان باليوم الآخر: وهو يوم القيامة ونؤمن بما فيه من أهوال وما فيه من حساب للناس، ونؤمن بدخول المؤمنين إلى الجنة والكافرين النار وأن عصاة المسلمين تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم في النار ثم سيخرجهم منها برحمته عز وجل.
الإيمان بالقدر خيره وشره: وهو أنه لا شيء يجري في الكون إلا بإذن الله عز وجل وعلمه سبحانه وتعالى.
المبحث الخامس: الأسماء والأحكام:
وهذا أهم مسائل الدين، الأسماء والأحكام ندرس فيها الأسماء التي تتعلق فيها أحكام، ومن أنواعها:
أسماء الثواب: مثل التوحيد والإيمان والإخلاص والبر والخير والصالحات.
أسماء العقاب: وهي الفجور الكفر والفسوق والضلالة والشرك.
ثم ندرس الأحكام المتعلقة بهذه الأسماء.
مثال على ذلك: اسم (الإسلام) تترتب عليه أحكام في الدنيا مثل: (عصمة الدم والمال، صحة النكاح، قبول الشهادة) وفي الآخرة يترتب عليه دخول الجنة والنجاة من النار.
كذلك اسم (الكفر) يترتب عليه أحكام في الدنيا بالنسبة الكافر الحربي مثل عدم عصمة الدم والمال وفي الآخر دخول النار.
أما (الكافر المعاهد) الذي بيننا وبينه عهد فتترتب عليه في الدنيا أحكام مثل عدم محاربته وحمايته إذا كان في أرض المسلمين وفي الآ
لا يوجد تعليقات
لاضافة سؤال او تعليق على الدرس يتوجب عليك تسجيل الدخول
تسجيل الدخولدروس اخرى مشابهة