مقدمة:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
غالب الكلام الذي سأقوله في هذا الدرس يُدرس في أصول الفقه ولكن تعلقه بمن يريد دراسة الفقه أكبر.
تعلمنا أن أصول الفقه هو العلم الذي ندرس فيه القواعد التي من خلالها نستمد بالأحكام، فالفقه هو نتيجة أصول الفقه، أي هو الأحكام التي استمددناها من أدلتها.
أنواع الأحكام الفقهية:
الثابت:
وهو الحكم المجمع عليه ولا خلاف فيه كـ (وجوب الصلوات الخمس وتحريم الخمر وأن الصيام يبدأ عند الفجر إلى آخره) هذه أحكام لا شك فيها وفيها نصوص قاطعة - قاطعة يعني تقطع الطريق على أي خلاف - مثل قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]
هنا لا يمكن لأحد أن يخالف أو يقول إن الخمر ليس بحرام أو أن الميسر ليس بحرام أو أن الأنصاب ليست بحرام.
أحكام فيها نصوص لكنها محتملة لأكثر من معنى:
مثل قوله تعالى:
{وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43]
قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} فهمنا منه أن ملامسة النساء أو أي ملامسة بين الرجل والمرأة تسبب نقض للطهارة لكن الملامسة لها معنيان أما (التقاء البشرتين أو الجماع) فبناء على هذا الاختلاف في المعنى اختلف العلماء ما الذي ينقض الوضوء هل هو الجماع أم مجرد التقاء البشرة بالبشرة.
الأحكام التي ورد فيها دليل ولكنه غير قوي:
مثال على ذلك: أكل لحم الضبع هناك دليل على جوازه ولكن اختلف العلماء في صحة هذا الحديث فمن صححه قال يجوز أكل لحم الضبع وأن الضبع مستثنى من السباع المحرم أكلها، ومن ضعّف الحديث قال بحرمة أكل الضبع لأنه من السباع.
كذلك صلاة التسابيح ورد فيها حديث بعض أهل العلم صحح الحديث فقال إن صلاة التسابيح مشروعة، وأكثر أهل العلم قالوا إن هذا الحديث ليس صحيحاً وبالتالي صلاة التسابيح ليست من الدين.
الأحكام التي ورد فيه دليل وهذا الدليل صحيح ولكنه عام:
مثال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام" فهل جوزة الطيب تسكر فتكون داخلة في الحديث وتكون حراماً؟ أم أنها لا تسكر فلا تدخل في الحديث ولا تكون حراماً؟ فهذا كان دليلاً عاماً على حكم عام قد يدخل في هذا الأمر وقد لا يدخل.
الأحكام التي لم يرد فيها دليل:
مثال على ذلك: بعض السوائل التي تعرفها النساء تخرج بطريقة معينة لم يرد فيها دليل، فبعض العلماء قاسها قال: إنها كالبول وكالمني تنقض الوضوء، وبعض أهل العلم قال إن هذه السوائل معروفة ولو أن لها حكماً لورد في دليل وبالتالي فهي لا تنقض الوضوء.
مثال آخر: الصيام في البلاد التي لا تغرب فيه الشمس، كل عالم مجتهد له وجهة نظر في هذه البلاد كيف يصلون وكيف يصومون.
فهذه خمسة أنواع للأحكام من حيث الدلالة عليها فالنوع الأول ثابت والأنواع الأربع الباقية كلها فيها خلاف وعرفنا تقريباً سبب الخلاف والخلاف الأكبر هو في النوع الخامس الذي لم يعد فيه دليل.
لكن هل هذا الخلاف بسبب وجهات النظر أم بسبب آخر؟ الفقهاء ماذا فعلوا؟
وضعوا أصولاً يسيرون عليها لاستخراج الأحكام من الأدلة وهذه أصول الفقه التي تكلمنا عنها، لكن بقي الخلاف في ثلاثة أمور.
الأمور التي اختلف فيها الفقهاء:
الاختلاف في بعض الأصول في أصول الفقه:
في أصول الفقه خلاف بين العلماء المجتهدين وارجعوا إلى الدروس السابقة ففيها توضيح لهذا.
الأدلة التي وصلت إلى هذا العالم:
فليس كل العلماء يعرفون كل الأدلة فمعرفة الحديث النبوي الواحد أحياناً تحتاج إلى السفر إلى أماكن بعيدة، فقد يكون هذا العالم لديه أدلة على هذه المسألة وعالم آخر ليس عنده هذه الأدلة نفسها، وقد يكون أحد العلماء وصل إليه الدليل لكن وصل إليه بسند ضعيف وعند عالم آخر وصله بسند قوي، فعلى هذا الأساس يختلفون.
فهم هذا العالم المجتهد ونظرته للحكم والأدلة.
سبب اختلاف الفقهاء:
أما السبب الأول الذي قلنا إنه اختلاف في أصول الفقه فهذا نشأت عنه المذاهب الفقهية (المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والظاهري).
وأما الاختلاف في فهم العالم واستنباطه الأحكام أو معرفته لأدلة أكثر في المسألة فهذا تنشأ عنه أقوال داخل المذهب الواحد؛ لهذا عندما نتكلم عن أقوال العلماء في المسألة نقول مثلاً للمالكية فيه قولان، كلمة للمالكية أو المالكية لا تعني مالك -رحمه الله - بل تعني العلماء الذين هم على مذهب مالك، كذلك عندما نقول الحنفية الشافعية والحنابلة نقصد علماء المذهب وليس إمام المذهب.
لكن عندما نقول مالك قال أو أحمد قال أو الشافعي قال فهذا قول الإمام بنفسه.
ثانياً قولنا بأن لهم قولان أي قسم من علماء هذا المذهب له رأي معين وقسم من علماء المذهب لهم رأي آخر.
لكن إذا قلنا لأحمدٍ قولان فيكون الإمام أحمد بنفسه أفتى بفتوى ثم نظر واجتهد في المسألة ثم أفتى بغيرها، وهكذا بالنسبة لمالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم.
لكن بالنسبة للشافعي تجدون في كتب الفقه يقول قال الشافعي في القديم وقال الشافعي في الجديد، القديم أي أيام ما كان الشافعي في بغداد لأنه عندما انتقل إلى مصر غير كثيراً من اجتهاداته لأنه برزت له أدلة أخرى ونظر مجدداً في بعض الاجتهادات فغيرها فالذي قاله في مصر هو مذهبه الجديد.
بعض المصطلحات الفقهية:
ومن الأمور المتعلقة بذلك مصطلح الوجوه والروايات، فإذا قيل هذه رواية عن الإمام الشافعي فمعناه أن الإمام الشافعي قال ذلك بنفسه، وإن كانت المسألة مستنبطة من أقواله ولكن هو لم يصرح بها ولم يقل ذلك بنفسه ولكن من خلال مجموعة أقواله استنتج العلماء رأياً للشافعي في مسألة استنتاجاً فيقولون هذا وجه عند الإمام فلان (الشافعي وأحمد أو غيرهم).
ومن العبارات التي تجدونها أيضاً في كتب الفقه خاصة القديمة قولهم (أهل الرأي) ويقصد بهم الحنفية دائماً.
ومن العبارات المهمة أيضا قول (أصحابنا) فإذا قال العالم أو الفقيه أصحابنا يعني بذلك علماء مذهبه، فعليك أن تعرف هذا العالم على أي مذهب حتى إذا قال أصحابنا تعرف من المقصود، فإذا قال مثلاً ابن قدامة اختلف أصحابنا تعرف أنه يقصد الحنابلة اختلفوا، وإذا قال النووي هذا قول أصحابنا تعرف أنهم الشافعية أيضاً، وقد يقول وهذا قول (عامة أصحابنا) قوله (عامة) يعني غالبية أو مثلا يقول هذا قول عامة أصحاب مالك فهذا يعني غالبية أصحاب مالك أو غالبية علماء المذهب المالكي (أصحاب مالك يعني علماء ذلك المذهب).
وهناك كلمة شبيهة وهي (الجمهور) فإذا قال (وهذا مذهب الجمهور) دون إن يحدد فهذا يعني غالبية الفقهاء أما لو حدد مثل يقول (هذا مذهب جمهور الحنفية) يعني غالبية فقهاء الحنفية، وقد يقول جمهور الأئمة الأربعة يعني بذلك ثلاثة أئمة من الأئمة الأربعة المعروفين، فالجمهور تعني الغالبية مع ملاحظة أن المذاهب ليست هي فقط الأربع المعروفة بل ذكرنا المذهب الظاهري وهناك غيره الكثير كمذهب (البخاري والأوزاعي والثوري وغيرهم).
وقد يقول لك العالم إن هذه المسألة فيها قولان أو أكثر، هذا يعني أن هناك رأيان في المسألة، فمثلاً قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية فيها قولان أي رأيان للفقهاء فمنهم من قال تجب قراءة الفاتحة خلف الإمام ومنهم من قال لا تجب قراءة الفاتحة خلف الإمام.
ثم يستخدم الفقيه هنا مصطلح (الراجح والمرجح) وهذا يستخدم كثيراً فالراجح يعني هو القول الذي يراه الفقيه أنه هو الصواب وهو القول الحق، أما المرجوح فهو القول البعيد عن الحق، وقد يستخدم عوضاً عن ذلك مصطلح (قوي وضعيف) لكن الفرق بين (راجح ومرجوح) أو (قوي وضعيف) هو أن القوي أقل درجة من الراجح، فإذا قال في مثال سابق إن الراجح هو وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام يعني أن هذا القول هو الصحيح والثاني غير صحيح بحسب رأيه، لكن لو قال إنه وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام قول قوي أو أنه هذا هو القول الأقوى فهذا يعني أنه يرى أن الأفضل ان يؤخذ بهذا القول عوضاً عن القول الثاني الذي هو ضعيف عنده، فقوله راجح يعني هذا هو الحق أما قوله قوي يعني أنه أفضل من القول الثاني لكن القول الثاني لا يستطيع ان يقول انه خطأ.
والحمد لله رب العالمين
لا يوجد تعليقات
لاضافة سؤال او تعليق على الدرس يتوجب عليك تسجيل الدخول
تسجيل الدخولدروس اخرى مشابهة