مقدمة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
أصول الفقه هو العلم الذي نبحث فيه كيفية فهم الأدلة، وكيفية استخراج الأحكام منها، وأكثر المصطلحات الموجودة في كتب الفقه والتي نسمعها من العلماء في فتواهم تكون من المصطلحات التي سنتطرق إليها الآن وهي (مصطلحات أصول الفقه).
ويجب على المسلم أن يعرف هذه المصطلحات حتى إذا سمع فتوى أو قرأ كلاماً لعالم أن يعرف ماذا عليه أن يفعل، وسنتعرف المراحل التي تمر بها الفتوى.
أصول الفقه فيه العديد من المباحث منها ما يتعلق باللغة ومنها ما يتعلق بالحديث ومنها ما يتعلق بعلوم القرآن ومنها ما هو أصولي بحت، لكن هناك مبحثان أساسيان وهما: (المصادر) و(الأحكام المستمدة من هذه المصادر).
المصادر:
أي مصادر الدين التي نعرف الدين وأحكامه من خلالها وهذه المصادر هي:
(القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة وإجماع العلماء) ودليل ذلك قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] فأولاً نقدم (طاعة الله) والمتمثلة بأوامره الموجودة في القرآن الكريم، ثم (طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم) في أوامره التي نقلت إلينا في كتب السنة، والتي ما قالها إلا بوحي من الله عز وجل، ثم بعد ذلك (طاعة أولي الأمر) أولي الأمر هم العلماء وليسوا الحكام فطاعة أولي الأمر هنا نعتبرها مصدراً شرعياً إذا أجمعوا فلن يجمعوا على ضلالة، أما إذا اختلفوا فنرجع الأمر إلى الكتاب والسنة كما قال الله عز وجل:
{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} إذاً المصادر الأساسية للدين هي:
(القرآن والسنة والإجماع).
وهناك مصادر أخرى ولكن يوجد خلاف في ترتيبها.
الآن نأتي إلى بعض التفصيل.
القرآن الكريم:
كما قلنا هو المصدر الأول للتشريع وسنأتي إلى بعض الأمور المتعلقة فيه بعد قليل.
السنة الصحيحة:
وقد بينا أنواع السنة والأحاديث في درس سابق (مختصر علم الحديث) فارجعوا إليه.
فالسنة الصحيحة هي مصدر للتشريع، أما الحديث الضعيف أو الموضوع فلا نأخذ منه شيء لأن هذا دين فلا يجوز أن أعبد الله عز وجل إلا على بينة وبصيرة، وهذه لا تكون إلا بالحديث الصحيح أما الضعيف والموضوع فلا نأخذ منه أحكام ديننا.
أنواع السنة:
أولاً: السنة القولية:
وهي أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً بلسانه.
ثانياً: السنة الفعلية:
والسنة الفعلية هي أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم التي لم يأمر بها.
ثالثاً: السنة التقريرية:
السنة تقريرية هي أن يحصل شيء أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينكر عليه.
الإجماع:
وهو أن يجمع المجتهدون - المجتهدون وليس طلبة العلم ولا العوام - فيتفق قول المجتهدين في عصر من العصور على حكم معين، فهذا الحكم يصبح دليلاً شرعياً لأن الله تعالى قال وأولي الأمر منكم؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يَزالُ مِن أُمَّتي أُمَّةٌ قائِمَةٌ بأَمْرِ اللَّهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، ولا مَن خالَفَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَهُمْ أمْرُ اللَّهِ وهُمْ علَى ذلكَ" رواه الشيخان.
فإذا اجمع المجتهدون في عصر من العصور على أمر ما فستكون هذه الأمة القائمة بأمر الله التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ستكون من بينهم بلا شك، فمن هنا كان إجماع العلماء حجة.
أما إذا اختلفوا فليس قول بعضهم أولى من قول بعض فلا تعتبر أقوال العلماء حجة إلا إذا أجمعوا، أما إذا اختلفوا فنرد النزاع إلى الله وإلى الرسول (إلى القرآن وإلى السنة).
والإجماع لا يعني أن يجتمع المجتهدون في مكان واحد ويقولون أجمعنا على الشيء الفلاني فهناك طرق كثيرة لمعرفة الإجماع، ومثال على واحد منها القول بأن التدخين يفطر الصائم هذا أجمع عليه مجتهدو العصر، فكيف عرفنا الإجماع؟ عرفناه بأن الدخان معروف والفتوى هذه مشهورة ومرت سنوات ولم يقل أحد من العلماء بخلاف هذه الفتوى، فعرفنا أنهم أجمعوا على هذا القول. طرق معرفة الإجماع كثيرة هذا مثال عليها فقط.
مصادر أخرى:
ثم كما قلنا بعد هذه المصادر الثلاثة يوجد مصادر للدين لكن اختلف العلماء في ترتيبها، فمن مصادر التشريع الأخرى:
القياس:
وأكثر من يستخدمه الشافعية والحنفية وأنكره الظاهرية، والقياس هو ان يكون لدينا شيء له حكم وهذا الحكم مبني على علة - على سبب - وهذه العلة أو السبب حددها القرآن والسنة فإذا جاء شيء جديد فيه نفس هذه العلة ونفس هذا السبب نسقط عليه نفس حكم الأصل.
مثال للتوضيح:
الخمر حكمها حرام وسبب التحريم كما جاءت الأدلة أنه الإسكار، فأي شيء جديد يسبب الإسكار حكمه كحكم الخمر، هذا الذي يسمى (القياس).
قول الصحابي:
وأكثر من يقدمه على غيره الحنابلة والظاهرية. وقول الصحابي يكون حجة إذا لم يخالفه صحابي آخر؛ لأن الصحابة لا يقولون فتاواهم عبثاً فإذا قال الصحابي قولاً ولم يخالف واحد من الصحابة فنعلم أن هذا القول له أصل من عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
عمل أهل المدينة:
مدينة النبي التي تسمى اليوم (المدينة المنورة) وعمل أهل المدينة هذا أكثر من يعتبره حجة ويقدمه على غيره هم المالكية طبعاً، عمل أهل المدينة المقصود به (أهل المدينة الذين كانوا على زمن الإمام مالك رحمه الله).
وسر اعتباره حجة هو أن المدينة عاش فيها الصحابة وعاش فيها أولادهم وعاش فيها تلاميذ الصحابة، وآنذاك كان لم يزل عهد الصحابة قريب فلم تنتشر البدع في المدينة، فعلى هذا اعتبر الإمام مالك أن عملهم مصدر من مصادر معرفة التشريع.
الرأي:
وهذا تقريباً من اختصاص الحنفية حتى أنه إذا قيل أو كتب في كتاب (أهل الرأي) فاعلم أنهم الحنفية، أما باقي المذاهب الأربعة فيسمون (أهل الحديث).
والرأي هنا لا يقصد به العقل - الرأي نابع من العقل - بل هو أن يقوم العالم المجتهد بسبر الأدلة ومعرفة مقاصد الشريعة من هذه الأحكام ثم يبني فتواه بما يوافق هذه المقاصد.
العقل:
وهو من المصادر الباطلة وهو يختلف عن رأي الحنفية لأن رأي الحنفية مبني على أسس شرعية، أما العقل (وهذا عند المعتزلة وبعض الخوارج) فهو أن يأتي بالتشريع من عنده - من رأسه - وقد يقدم عقله حتى على القرآن وخاصة أفراخ المعتزلة اليوم الذين يُسمون بـ (التنويريين والمجددين) هؤلاء فعلياً يقدمون عقولهم حتى على القرآن، كيف يقدمونها على القرآن؟ وهم في الغالب ينكرون السنة ويقول مصدرنا هو القرآن، لكن القرآن يقول أبيض وهو يقول أسود، ويقول لك إن الأبيض التي في القرآن معناها أسود، ففسر القرآن على هذا الأساس، فقدم أفكاره وخواطر رأسه على القرآن وهذا باطل.
أما أهل السنة يعتبرون العقل أداة لفهم التشريع وليس أداة للتشريع أو لتغيير تشريع الله عز وجل.

الأحكام المستمدة من مصادر التشريع:
الآن نتكلم عن الأحكام المستمدة من المصادر أو كيف يستمد منها أحكاماً.
جئنا للمسألة جمعنا الأدلة من هذه المصادر فنمررها على فلاتر - واعذروني على استخدام كلمة فلتر لأنها كلمة غير علمية وغير عربية لكن للتبسيط .
الفلتر الأول: التأكد من صحة الأحاديث ومن صحة الإجماعات ومن سلامة الأقيسة وما إلى ذلك.
الفلتر الثاني: الدلالات:
فبعد أن نتأكد من سلامة الأدلة نمررها على الفلتر الثاني وهو فلتر (الدلالات) الدليل له دلالة يدل، فعندنا قواعد لهذه الدلالات والدلالات لها نوعان:
الدلالات المتعلقة بذات النص:
دلالة المنطوق:
يعني أمر فهمناه من النص كما هو أمر واضح بواح ولا يحتاج إلى تفكير.
مثال: قوله صلى الله عليه وسلم:
" إذا أكَلَ أحدُكم فلْيَأكُلْ بيَمينِه، وإذا شَرِبَ فلْيَشرَبْ بيَمينِه، فإنَّ الشَّيْطانَ يَأكُلُ بشِمالِه، ويَشرَبُ بشِمالِه" رواه مسلم.
فالكلام هنا واضح بين لا يحتاج حتى لتفسير فهذه هي دلالة المنطوق.
دلالة اللزوم:
وهو أمر ليس من صريح الكلام وإنما ملازم له يعني يحتاج لقليل من التفكير حتى يعرف.
مثال: قوله تعالى:
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
دلالة المنطوق هي الأمر بتبشير (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، أما دلالة اللزوم هي الحض على عمل الصالحات لكي ننال البشرى بإذن الله فالحض على عمل الصالحات ليس من منطوق النص وإنما ملازم له.
دلالة المفهوم:
والمفهوم ينقسم إلى: (مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة).
مثال قوله تعالى:
{فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23]
دلالة المنطوق تحريم قول (أف) مفهوم الموافقة له أننا لا نضربهما من باب أولى، فإذا حرم علينا قول (أف) فلا نضربهما ولا ننهرهما من باب أولى.
أما مفهوم المخالفة فهو عكس المنطوق.
مثال: في قوله تعالى:
{وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]
هذه للمطلقات. دلالة المنطوق أن المطلقة إذا كانت حامل فوجبت لها النفقة. مفهوم المخالفة فإنها إذا لم تكن حاملاً فلا تجب النفقة عليها.
الدلالات المتعلقة بالحكم:
يعني الحكم الذي نستنبطه من النص فهي:
لا يوجد تعليقات
لاضافة سؤال او تعليق على الدرس يتوجب عليك تسجيل الدخول
تسجيل الدخولدروس اخرى مشابهة