مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم أما بعد أيها الإخوة والأخوات:
كنا تكلمنا في الدروس السابقة حول شيء من شروط الصلاة وذكرنا أن من شروطها الإسلام والعقل والتمييز وإنما من شروطها أيضاً دخول وقت الصلاة فلا تصح الصلاة قبل دخول وقتها.
والشرط الثاني والشرط الثالث سوف نتكلم عنهما في هذا الدرس ثم نكمل ما بعدها في الدروس القادمة.
الأمر بستر العورة في القرآن والسنة:
أمر الله عز وجل بستر العورة منذ أن خلق آدم فلما خلق الله تعالى آدم وجعله في الجنة بيّن الله عز وجل أنه ممنوع من أكل الشجرة معينة لأجل ألا تُكشف عورته، وقال سبحانه وتعالى:
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}
[الأعراف: 20]
فبيّن الله عز وجل أن العورة لابد أن تستر وحرم الله جل وعلا أن تكشف، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل قال يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر -يعني يا رسول متى يجوز أكشف عورتي ومتى يحرم عليّ- فقال صلى الله عليه وسلم: "احفَظْ عورتَك إلا من زوجتِك أو ما ملكَتْ يمينُك" قال: فإذا كان القومُ بعضُهم في بعضٍ، قال: "إن استطَعتَ ألا يَرَى أحدٌ عورتَك فافعَلْ" قال الرجل: فإذا كان أحدُنا خاليًا، قال: "فاللهُ أحقُّ أن يُستَحْيَى منه من الناسِ".
[أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (278) مختصراً، وأخرجه أبو داود (4017)]
والعورة أيها الإخوة والأخوات المذكورة في قوله تعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
[الأعراف: 31]
يعني أنه يستر عورات وأنه يتزين للصلاة.
وقد ذكر أهل العلم أن معنى قوله تعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
أي المسجد الذي يُصلى فيها كالمساجد المعروفة، أو مسجد يعني عند كل موضع سجود فالأصل أن الإنسان يتزين.
جاء أن نافعاً صلى بغير عمامة -نافع مولى عبد الله بن عمر- فمر به عبد الله بن عمر وقال: لو أردت أن تخرج إلى السلطان أتخرج هكذا؟ قال: لا أتزين وألبس عمامتي، قال: فالله تعالى أحق أن تتزين له.
تزين لله يا أخي ما دام أنك ستتزين لسلطان في الأرض فتزين لسلطان الأرض والسماء جل وعلا، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم مبيناً أهمية الزينة للصلاة قال:
" إذا صلَّى أَحدُكم فلْيَلبسْ ثَوبَه؛ فإنَّ اللهَ أحقُّ مَن تُزُيِّنُ لَه"
[أخرجه البزار (5903)]
يعني أحق أن تتزين له، هذا فيما يتعلق بالزينة الطاهرة.
ستر العورة لا يشمل العورة المغلّظة فقط:
كذلك من أهم الأشياء ما دام تكلمنا عن العورات وعن سترها فليس المقصود فقط أيها الأحبة الكرام أن الإنسان يستر عورته المغلّظة بل أن يتزين زينة تامة، وهو إذا لم يتزين زينة تامة فلا تفسد الصلاة، مثلاً لو أن إنساناً صلى من غير أن يغطي رأسه ومن غير أن يلبس ثوباً أو لبس ثوباً قديماً أو ممزقاً أو متسخاً فصلاته صحيحة، ولكن الأصل ان يتزين للصلاة.
شروط اللباس التي تصح به الصلاة:
طيب لو قال إنسان انا لا اريد ان تتعبوني في مسألة ان أتزين للصلاة او لا أتزين انا اريد ما هو اللباس الذي تصح به صلاتي؟
نقول اللباس الذي تصح به صلاتك هو ان تستر عورتك ان يستر الرجل من السرة الى الركبة، وان تستر المرأة جسدها كله إلا الوجه والكفين على قول بعض أهل العلم، وذكر بعض أهل العلم أن الكفين أيضاً يجب عليها أن تغطيها لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يقبل الله صلاة حائض -يعني امرأة بالغة- إلا بخمار"
كما رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
أيها الأحبة الكرام كذلك مما ينبغي على المرأة في صلاتها أن تكون ثيابها ساترة لقدميها؛ كما قالت أم سلمة: يا رسول الله أتصلي أحدانا في خمارها أو في درعها؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم إذا كان سابغاً يغطي ظهور قدميها".
الراوي: أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : أبو داود | المصدر : سنن أبي داود الصفحة أو الرقم: 640 | خلاصة حكم المحدث : رواه [ستة] عن أم سلمة لم يذكروا النبي صلى الله عليه وسلم
فلابد للمرأة أن تغطي ظهور قدميها أما باطن القدم الملامسة للأرض فتستره الارض ولا بأس إذا سجدت ان يظهر باطن القدم فهذا مرخص فيه،
فالمرأة إذا ارادت ان تصلي اما ان يكون الشيء الذي تصلي فيه طويلاً بحيث انه يصل الى الارض ويغطيها أو ان تلبس جورباً لأجل ان تغطيها.
اللباس الذي لا يستر العورة:
اللباس الذي لا يستر العورة ينقسم إلى قسمين:
1- لباس لا يستر العورة بسبب شفافيته:
فلو كان إنساناً صلى مثلاً في سروال طويل وكان هذا السروال الطويل مثلاً شفافاً بحيث أن فخده يبدو من خلاله فلو كان في فخذه مثلاً شيء من الجرح أو فيه خدش أو فيه نتوء أو حبوب أو نحوه فتتضح من خلاله فهذا يعني أن هذا اللباس يعتبر شفافاً جداً وإذا كان يبين صفة البشرة فهذا شفاف جداً ولا يصح أن يصلي فيه أما إذا كان سميكاً ويستر من السرة الى الركبة جازت الصلاة فيه.
2- لباس لا يستر العورة بسبب ضيقه الشديد:
لا ينبغي ان نصلي بشيء ضيق، والضيق هو الذي يفصل شكل العورة، فلابد ان يصلي في شيء فضفاض هذا بالنسبة للرجل وبالنسبة المرأة ايضاً.
تعظيم الصلاة في طريقة اللبس:
ايها الأحبة الكرام كذلك فيما يتعلق بالعورات ينبغي على المرء إذا اراد ان يصلي أن يكون معظّماً لأمر صلاته أيضاً حتى في طريقة لبسه؛ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن لا يكون الرجل لابساً لثوب مسبل فمن باب أولى ان لا يصلي الرجل بالثوب المسبل الذي يكون تحت الكعبين.
وقد جعل الله تعالى قوماً من الناس الذين يتساهلون بكشف عوراتهم جعل فيهم شبهاً بالكفار لما قال سبحانه وتعالى:
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}
[الأعراف: 28]
معنى هذه الآية أن الكفار كانوا في السابق يطوفون بالبيت عراة، لماذا يطوفون عراة؟ كانوا يقولون لا نريد أن نطوف بثياب عصينا الله تعالى فيها من جهلهم فينزعون ثيابهم فيطوفون عراة كالذي يريد أن يكحل عينه فيعميها، لكنهم كفار وهذه عقولهم فكان يطوفون بالبيت عراة ويقولون الله أمرنا بهذا فليحذر المرء من أن يتسلط عليه الشيطان بمثل هذه الصورة.
كشف العورة من الشيطان:
أيها الأحبة كذلك قد من الله عز وجل علينا بما يستر عوراتنا لما قال سبحانه وتعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ}
[الأعراف: 26]
والشيطان يجتهد مع بني آدم لأجل أن ينزع عنه ثيابه لذلك ما تستغرب أحياناً أن ترى نساء كاسيات عاريات، وما تستغرب أن ترى رجلاً يمشي في الشارع وهو قد كشف أكثر فخذه ولم يستر إلا العورة المغلظة ويمشي بين الناس من غير حياء وقد نزع الحياء منه والشيطان تسلط عليه.
لما دخل آدم إلى الجنة أراد الشيطان أن يغويه فلم يجد إغواءً أكثر من أن يكشف عورته؛ لذلك ذكر الله عز وجل هذا في القرآن وبينه سبحانه وتعالى كما قال جل وعلا:
{يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَٰتِهِمَآ ۗ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}
[الأعراف: 27]
فكشف العورات في الحقيقة مكيدة شيطانية من الشيطان على المجتمعات اليوم فكل من كشف عورته سواءً من الرجال او من النساء دل ذلك على ان الشيطان قد تسلط عليه وانه قد ملك عليه قلبه.
وإذا تأملت وجدت أن كثيراً من الشهوات تتبع كشف العورة لذلك الله عز وجل أمر النساء بستر الزينة تماماً فقال سبحانه وتعالى:
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}
[النور: 31]
وقال جل وعلا:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
[الأحزاب: 59]
وقال سبحانه وتعالى:
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}
[الأحزاب: 53]
وهكذا كانت الصحابيات حتى مع النبي عليه الصلاة والسلام تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: كنا محرمات مع النبي صلى الله عليه وسلم فنكشف وجوهنا إذا لم يكن عندنا رجال فإذا مر بنا رجال سدلت إحدانا خمارها على وجهها حتى يجاوزونا الرجال فإذا تجاوزونا الرجال كشفنا.
هذه النصوص وما في معناها كلها تدل على أن المرأة ينبغي أن تنستر أمام الرجال وأن تنستر في صلاتها.
وبالمناسبة المرأة إذا صلت في مكان وحولها رجال بفرض أن امرأة مثلاً حضرتها الصلاة في طائرة فأرادت أن تصلي أو مثلاً حضرتها الصلاة في حديقة أو في مستشفى أو في مكان عام فأرادت أن تصلي فلا نقول لها اكشفِ وجهك بل تصلي وهي ساترة لوجها.
ومن المؤسف أيها الأحبة ما وصل إليه في الحقيقة حال بعض المسلمات اليوم من كشف العورات ومن التساهل فيها حتى بدأ يظهر تبعاً لذلك ما يظهر من الزنا وغيره، بل النبي عليه الصلاة والسلام بين أن كشف العورات يؤدي إلى نوع من الزنا فقال صلى الله عليه وسلم:
" العينُ تَزني والقلبُ يَزني فزِنا العينِ النظَرُ وزِنا القلبِ التمَنِّي والفَرجُ يُصَدِّقُ ما هُنالِكَ أو يُكَذِّبُه"
[أخرجه مسلم (2657) باختلاف يسير، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11544) بنحوه، وأحمد (8356) واللفظ له]
فبين أن كل جزء من أجزاء الإنسان قد يقع منه زنا، فالعين تزني بالنظر الحرام واليد تزني باللمس الحرام والرجل تزني بالمشي إلى المكان الحرام، وبين صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن الفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
إذن إذا تأملت وجدت أن عدداً غير قليل اليوم من النساء في الحقيقة أما أن تكشف شعرها أمام الرجال أو أن تكشف شيئاً من جسدها أمام الرجال، وما نراه الآن سواء في الظهور في التلفاز أو الظهور أحياناً على بعض شواطئ البحر أو الظهور في المسابح العامة فنرى تكشف النساء بشكل عظيم حتى بدأت المرأة يعني تُظهر أكثر مما تستر.
ومن تأمل في الصحابيات الكريمات والغيرة التي كان يغارها الرجال عليهم يرى من ذلك عجباً، بل حتى في الأمم السابقة قبل الإسلام كان الناس يحرصون على أن ينستروا والمرأة تحرص على أن تستر نفسها، فكان هناك امرأة كانت في الجاهلية تمشي وعليها خمار على وجهها فلما تحركت جاء الهواء وأسقط الخمار عن وجهها على الأرض، أقبلت ورفعت الخمار ومن شدة حيائها جعلت يدها الثانية تغطي بها وجهها حتى لا يراها الرجال.
انكشاف العورة في الصلاة:
هناك أحوال قد تقع أحياناً في الصلاة في ستر العورات من المهم أن نعرفها، فلو أن إنساناً كُشفت عورته أثناء الصلاة، فإذا كان هذا الاكتشاف قليلاً وتداركه مباشرة فصلاته صحيحة أما إذا طال ذلك فالصلاة تبطل.
وكذلك لو لبس ثوباً واسعاً وأثناء الصلاة تمزق أو كان في ثقب أو تحرك بحركة الريح وظهر شيء من عورته ففي هذه الأحوال كلها بحسب المدة، فإذا كانت المدة طويلة فإنه ينبغي له أن يعيد الصلاة أما إذا كانت المدة قليلة فإن صلاته صحيحة على الراجح من أقوال أهل العلم.
وينبغي عليه أيضاً إذا أراد أن يصلي أن يتحرز في مسألة الصلاة ويتحرز في المكان الذي يصلي فيه.
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لكل خير وأن يجعلنا وإياكم مباركين أينما كنا، ويزيدنا وإياكم علماً وهدىً وتوفيقاً.
والحمد لله رب العالمين
المصادر:
لا يوجد تعليقات
لاضافة سؤال او تعليق على الدرس يتوجب عليك تسجيل الدخول
تسجيل الدخولدروس اخرى مشابهة